فصل: الروايات الواردة في نزول القرآن على سبعة أحرف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.المبحث الخامس: نزول القرآن على سبعة أحرف:

هذا المبحث من المباحث التي تناولها العلماء في تآليفهم، بل وأفردها بعضهم بالتأليف.
وقد اختلفت فيه آراؤهم وأنظارهم اختلافا كثيرا، وكثرت فيه الأقوال كثرة ظاهرة، حتى لقد بلغ بها السيوطي في الإتقان- نقلا عن ابن حبان، خمسة وثلاثين قولا.
وليس من شك في أن هذا البحث شائك، ودحض مزلة، والباحث فيه يحتاج إلى شيء غير قليل من البصر بموضع قدمه، ومن الأناة والصبر، ولا تعجب إذا خفي المراد على بعض العلماء فعد الحديث مشكلا، وتوقف عن بيان المراد منه، وبعضهم جعل حقيقة العدد غير مقصودة، وأن المراد التكثير من غير حصر، وأتى بعضهم بآراء ما أنزل الله بها من سلطان، ولكي نصل إلى بيان الحق والصواب، نرى لزاما علينا ذكر الروايات الثابتة في هذا المعنى بشيء من التفصيل كي تكون لنا نبراسا نهتدي على ضوئه لمعرفة المراد.

.الحديث متواتر:

ويحسن أن ننبه قبل هذا التفصيل إلى أن حديث إنزال القرآن على سبعة أحرف، ورد من رواية جمع كثير من الصحابة، حتى نص الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام على تواتره، فقد رواه من الصحابة: أبيّ ابن كعب، وأنس بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وزيد بن أرقم، وسمرة بن جندب، وسليمان بن صرد، وابن عباس، وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وعمر بن الخطاب، وعمر بن أبي سلمة، وعمرو بن العاص، ومعاذ بن جبل، وهشام بن حكيم، وأبو بكرة، وأبو جهيم، وأبو سعيد الخدري، وأبو طلحة الأنصاري، وأبو هريرة، وأم أيوب الأنصارية- امرأة أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين؛ فهؤلاء أحد وعشرون صحابيّا.
وأخرج الحافظ أبو يعلى في مسنده: أن عثمان قال على المنبر: أذكر الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، كلها كاف شاف» لما قام، فقاموا حتى لم يحصوا، فشهدوا بذلك فقال: وأنا أشهد معكم. وهذا يدل على أن الحديث كان معروفا مشهورا غاية الشهرة في زمن الصحابة ولكن هل نقله عنهم في كل طبقة جماعة كثيرون ممن يثبت بهم التواتر هذا ما يحتاج إلى إثبات، وإلا فغاية أمره أنه مشهور.

.الروايات الواردة في نزول القرآن على سبعة أحرف:

1- روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، بسنديهما عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقرأني جبريل على حرف، فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» زاد مسلم في روايته، قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام، يريد أن المعنى واحد، وإن اختلفت الألفاظ.
2- روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، بسنديهما عن ابن شهاب الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن ابن عبد القاري أخبراه: أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته؛ فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله؛ فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: كذبت؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به، أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرسله، اقرأ يا هشام» فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك أنزلت»، ثم قال: اقرأ يا عمر؛ فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك أنزلت؛ إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه».
3- وروى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي بن كعب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار، قال: فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف، فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وأن أمتي لا تطيق ذلك»، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته وأن أمتي لا تطيق ذلك»، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وأن أمتي لا تطيق ذلك»، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف؛ فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا.
4- وروى مسلم بسنده، عن أبي بن كعب قال: كنت في المسجد، فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه؛ ثم دخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرءا، فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما؛ فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا، وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي: «يا أبيّ، أرسل إليّ: أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت عليه: أن هون على أمتي»، فرد إليّ الثانية: اقرأه على حرفين؛ فرددت إليه: «أن هون على أمتي»، فرد إليّ الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
وقد بين الطبري في روايته: أن المقروء كان من سورة النحل.
5- وروى البخاري في صحيحه بسنده عن النّزّال بن سبرة عن عبد الله ابن مسعود: أنه سمع رجلا يقرأ آية، سمع النبي صلى الله عليه وسلم قرأ خلافها، فأخذت بيده، فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كلاكما محسن، فاقرءا».
قال شعبة راوي الحديث: أكبر علمي قال: «فإن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكوا».
وقد روى هذا الحديث بأوسع من هذا اللفظ ابن حبان والحاكم، وفيه: وإن هذه الآية من سورة من الـ حم وفي المبهمات للخطيب أنها الأحقاف.
6- وروى الترمذي بسنده عن أبيّ بن كعب قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال: «يا جبريل؛ إني بعثت إلى أمة أمية، منهم العجوز، والشيخ الكبير، والغلام والجارية، والرجل الذي لا يقرأ كتابا قط، فقال لي: يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف» قال: هذا حديث صحيح.
7- وروى أحمد، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، عن عمرو:
أن رجلا قرأ آية من القرآن، فقال له عمرو: إنما هي كذا وكذا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فأي ذلك قرأتم أصبتم، فلا تماروا فيه» إسناده حسن.
8- وروى النسائي، وابن جرير الطبري- واللفظ له- بسنديهما عن أبيّ ابن كعب، وفي حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن جبريل وميكائيل عليهما السلام أتياني فقعد جبريل عن يميني، وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد، وقال ميكائيل: استزده حتى بلغ سبعة أحرف وكل شاف كاف»، وفي رواية لأبي بكرة: «فنظرت إلى ميكائيل فسكت، فعلمت أنه قد انتهت العدة».
9- وروى أحمد والطبراني، من حديث أبي بكرة قال: «يا محمد، اقرأ القرآن على حرف، قال ميكائيل: استزده حتى بلغ سبعة أحرف، قال: كل شاف ما لم تخلط آية عذاب برحمة، أو رحمة بعذاب، نحو قولك: تعال وأقبل، وهلم، واذهب، وأسرع، وعجل».
قال السيوطي: هذا اللفظ رواية أحمد، وإسناده جيد، وأخرج أحمد والطبراني أيضا، عن ابن مسعود نحوه، وروى الطبراني عن أبي بكرة نحوه مقتصرا على قوله: هلم، وتعال، وبحسبنا هذا القدر في هذا المقام.

.ما يستخلص من روايات نزول القرآن على سبعة أحرف:

نستخلص من الروايات السابقة الأصول الآتية:

.التيسير على الأمة:

1- لو نزل القرآن على حرف واحد لشق ذلك على الأمة العربية؛ فقد كانت متعددة اللغات واللهجات، وما يتسهل النطق به على البعض لا يسهل على البعض الآخر، وكانت تغلب عليها الأمية، فلا عجب أن حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الاستزادة من الحروف حتى بلغت سبعة أحرف، يدل على هذا قوله- في حديث أبيّ-: ثلاث مرات «أسأل الله معافاته ومغفرته، وأن أمتي لا تطيق ذلك»، وقوله- في حديث الترمذي-: «إني بعثت إلى أمة أمية...» الحديث.
فكان من رحمة الله بهذه الأمة أن أنزل القرآن على سبعة أحرف، رفعا للحرج، وتيسيرا لقراءته وحفظه، وفهمه وتدبره.